الاثنين، 23 مارس 2015

القوى الأربع الأساسية في الطبيعة 1 - الجاذبية

حسب أخر النظريات العلمية المقبولة في وقتنا، توجد أربع قوى طبيعية أساسية معروفة في الكون وهي: الجاذبية، الكهرومغناطيسية، النووية القوية، والنووية الضعيفة. الجاذبية هي أضعف هذه القوى ولكنها الأكثر وضوح ومدى تأثيرها غير محدود، وهي السبب في شعورنا بالأنجذاب نحو الأرض وهي السبب الرئيسي في تكون وارتباط الكواكب والنجوم. الكهرومغناطيسية أقوى من الجاذبية ولكن أقل مدى بكثير وهي المسئولة عن ترابط ذرات المواد ببعضها وبالتالي تماسكها وتشكلها بخصائص مختلفة، ويظهر لنا تأثيرها الواضح أيضاً في أشعة الضوء من حولنا. النووية القوية هي المسئولة عن تماسك نواة الذرة ويظهر في الطاقة النووية وتطبيقاتها. والنووية الضعيفة مسئولة عن التحلل الأشاعي للذرات. النووية القوية والضعيفة مدى تأثير كل منهما يكون محدود جداً في نطاق أحجام الذرات وجسيماتها.
سأحاول أن أخصص على الأقل تدوينة لشرح كل من هذه القوة بطريقة مبسطة، وسأبدأ في هذه التدوينة بالجاذبية.   


الجاذبية

الجاذبية هي أحد القوى الطبيعية الأربع المعروفة في الكون، ورغم أنها أضعف هذه القوى إلا أنها الأكثر تأثير ووضوح. الجاذبية هي القوى الأساسية التي جعلت المادة تتجمع بعد نشأة الكون وتكون النجوم والكواكب والمجرات وبدون وجود الجاذبية لما أصبح الكون على ما هو عليه الأن.
أول من اكتشف الجاذبية وصاغ القوانين والمعادلات الرياضية التي تصفها هو اسحاق نيوتن عام 1687 م (ضمن كتابه الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية). حسب وصف نيوتن فأن الجاذبية هي قوة يملكها كل جسم في الكون ويؤثر به على غيره من الأجسام. هذه القوى تزيد كل ما زادت كتلة الأجسام وكلما قصرت المسافة بينها. وللتوضيح أكثر لو فرضنا جسمين الأول له كتلة كبيرة جداً مقارنة بجسم ثاني له كتلة صغيرة جداً فستكون هناك قوة جذب بينهما تؤدي إلى جذب (تحرك) الجسم الأقل كتلة نحو الجسم الأكبر كتلة. فمثلاً لو فرضنا شخصين أحدهما له كتلة ضخمة (شخص بالغ كتلته 150 كيلوغرام مثلاً) والآخر كتلته صغيرة (طفل كتلته 5 كيلوغرامات مثلاً) فستكون هناك قوة جذب بينهما تجذب الطفل ذو الكتلة الصغيرة نحو البالغ ذو الكتلة الكبيرة، ولكننا لا نرى تأثير هذه القوى عملياً ولا نرى الأطفال الرضع ينجذبون نحو الكبار، لماذا؟ لأن هذه القوى ضعيفة جداً وتأثيرها لا يظهر إلا في الكتل الضخمة جداً (مثل الكواكب والنجوم). في المثال السابق للشخص البالغ والطفل، لو فرضنا المسافة بينهما متر واحد فأن  قوة الجاذبية حسب قانون نيوتن ستساوي تقريبا 0.000000005 نيوتن (8 أصفار بعد الفاصلة العشرية: رقم صغير جداً يقترب من الصفر) وهي قوة ضعيفة جداً ( للمقارنة لرفع طفل كتلته 5 كليوغرامات عن سطح الأرض نحتاج إلى قوة تصل على الأقل إلى حوالي 50 نيوتن، وسنحتاج إلى شخص كتلته أكثر من 150 مليار كيلوغرام حتى يتم جذب الطفل ورفعه عن الأرض بقوة جاذبية الشخص فقط!). والسبب الآخر والأهم هو أن كل الأجسام على كوكبنا تخضع لقوة جاذبية الكوكب والتي هى أكبر بكثير جداً من قوة جذب إى جسم لآخر، وحتى يستطيع إي جسم أن يجذب جسم آخر على كوكبنا عليه أن يتغلب على قوة جذب الأرض له أولاً. وبصفة عامة لرفع أو تحريك إي جسم على الأرض علينا التخلص من قوة جذب الأرض له ( بالأضافة لمقاومة الهواء والاحتكاك).   ففي مثال الطفل ذو 5 كيلوغرامات قوة جذب الأرض له ستساوي حوالي 50 نيوتن ولذلك نحتاج قوة أكبر من ال50 نيوتن حتى نستطيع رفع الطفل عن الأرض.
قوة جذب الأرض لإي جسم تمثل وزنه (تساوي رياضياً قيمة كتلته مضروبة في معدل تسارع الجاذبية الأرضية، في مثال الطفل = 5 كغم مضروبة في حوالي 10 متر في الثانية لكل ثانية = 50 نيوتن) وهي السبب في سقوط جميع الأجسام وإلتصاقها بالأرض. وكل مازادت كتلة الجسم كلما احتجنا قوة أكبر لرفعه عن الأرض (نحتاج لقوة تساوى حوالي 100 نيوتن لرفع طفل كتلته 10 كغم مقارنة بقوة حوالي 50 نيوتن لرفع طفل كتلته 5 كغم).
هل يعني هذا أن الأجسام الأكثر كتلة تسقط بسرعة أكبر نحو الأرض؟ الأجابة هي لا!! ... كان هذا هو الاعتقاد السائد حتى قام غليليو باختبار صحة ذلك عملياً (حوالي عام 1568م ). الاعتقاد كان حسب تفسيرات ارسطو النظرية (القرن الرابع قبل الميلاد) هو أن الأجسام الأكبر كتلة تسقط أسرع من الأجسام الأصغر كتلة، والعجيب أن هذا الاعتقاد ظل سائد لأكثر من ألف عام واعتبر شئ بديهي ولم يحاول أحد أن يقوم باختباره عملياً حتى فكر غليليو بذلك! غليليو قام بتجارب عملية مختلفة لاختبار هذه الظاهرة وقام باستنباط الصيغ الرياضية التي تصفها.
حسب غليليو فأن الأجسام المختلفة الكتلة تسقط كلها بنفس السرعة (لو فرضنا أن لها نفس الشكل ونفس مقاومة الهواء)، هذه السرعة تزيد كلما اقترب الجسم من الأرض وكلما سقط الجسم من مكان أكثر ارتفاع كلما كانت سرعته عند وصوله للأرض أكبر. معدل زيادة سرعة السقوط هذا ثابت يمثل معدل تسارع الجاذبية الأرضية (يساوي 10 متر في الثانية لكل ثانية) وهذا يعني أن سرعة الجسم الساقط تزيد بمعدل حوالي 10 متر في الثانية في كل ثانية أضافية تمر أثناء سقوط الجسم. فلو كانت سرعته عند بداية السقوط صفر فأنها ستكون بعد أول ثانية 10 متر في الثانية ثم في ثاني ثانية من سقوطه ستساوي 20 متر في الثانية وهكذا (يعني سرعة السقوط عند إي لحظة ستساوي معدل التسارع مضروب في زمن السقوط).
نحتاج لقوة أكبر لرفع جسم أكبر كتلة عن الأرض ولكنه سيسقط بنفس السرعة التي يسقط بها جسم له نفس الشكل والخصائص ولكن كتلة أصغر. سرعة السقوط تعتمد على معدل تسارع الجاذبية الأرضية وعلى مدة السقوط ولا تأثير لكتلة الجسم الساقط علي سرعة سقوطه.
وربما أكثر ما يؤثر على سرعة السقوط هو مقاومة الهواء والتي تجعل ريشة تسقط بسرعة أقل كثيراً من كرة حديدية مثلاً. وقد قام رائد الفضاء دايفيد سكوت باختبار هذا الأمر في جو القمر الخالي من الهواء عام 1971 (ضمن بعثة أبولو 15) باستعمال ريشة ومطرقة حديدية وأثبت أن كل منهما سقطت على سطح القمر من نفس الارتفاع بنفس السرعة في غياب مقاومة الهواء. الفيديو التالي يعرض تصوير هذه التجربة.





ولكن من أين جاءت قوة الجذب هذه؟ أو من أين اكتسبتها الأجسام؟ هذا سيقودنا إلى نظرية النسبية العامة لإينشاتين (1916) والتي أعطت تفسير أكثر شمولية ودقة للجاذبية ومعناها وتأثيرها في الكون. حسب نظرية إينشاتين فأن المكان والزمان تكون نسيج واحد يشمل الكون كله والأجسام المختلفة الموجودة في الكون تضغط على هذا النسيج وتسبب فيه انبعاجات أو تحورات وإلتفافات، هذه الانبعاجات تتناسب طردياً مع كتلة الجسم فكلما كان الجسم أكبر كتلة كلما كان الانبعاج الذي يسببه أكبر. الأجسام الأقل كتلة لو كانت قريبة من مجال انبعاج جسم أكبر كتلة فستقع في هذا الانبعاج وتنحدر بسرعة نحو مركز الانبعاج الذي يشغله الجسم الأكبر كتلة. للتوضيح لو تخيلنا أن نسيج المكان والزمان الكوني يشبه وسادة ضخمة ناعمة لو وضعنا عليها كرة ثقيلة من الحديد فستسبب انبعاجها نحو الأسفل وتكون انخفاض وتقعر في سطح الوسادة وتصنع ما يشبه الحفرة ذات الجوانب المائلة حولها تكون الكرة في مركزها. ولو أخذنا جسم أقل كتلة بكثير من الكرة الحديدية (حبة أرز صغيرة مثلاً) ووضعنها على طرف بداية الحفرة فأنها ستنحدر بسرعة على جوانب الحفرة حتى تلتصق بالكرة في مركز الحفرة.
هذا تماماً يشبه تأثير جاذبية الأرض علينا فلو شبهنا الأرض بالكرة الحديدية الضخمة وأجسامنا بحبات الأرز الصغيرة، فنحن ننحدر بشدة في الأنخفاض الذي تصنعة الأرض حتى نلتصق بسطحها ولا يمكننا التخلص من هذا الالتصاق والأرتفاع (أو الطيران) إلا إذا بذلنا قوة أقوى من قوة جذب الأرض لنا، قوة تكفي لتقاوم تأثير الأنحدار وتساعدنا على الصعود على جوانبه المائلة. وهذا أيضاً يفسر لماذا لا يظهر تأثير باقي الأجسام على بعضها على الأرض ، فالحفر التي ستصنعها ستكون صغيرة جداً مقارنة بالحفرة الضخمة التي تصنعها الأرض والتي تقع جميع الأجسام على الأرض ضمن تأثيرها.



رسم إفتراضي لانبعاج نسيج المكان والزمان حول كوكب الأرض



السؤال التالي الذي يطرح نفسه هو لماذا تسبب الأجسام المادية انبعاجات في نسيج الكون؟ حسب معلوماتنا لا توجد إجابة لهذا السؤال حتى الأن. الكثيرون يعملون على البحث عن إجابة ولكن حتى الأن لم تظهر إي نظرية تفسر ذلك. وعلى كل حال ففكرة أن المادة تسبب انبعاج في نسيج الكون هي مجرد نظرية لتفسير معنى الجاذبية، صحيح أنها حالياً تعطي أفضل تفسير لمفهوم الجاذبية وأنها نجحت في اجتياز جميع الاختبارات العملية ولكنها تظل نظرية ولعلنا في المستقبل نرى نظرية جديدة بتفسير جديد لمفهوم الجاذبية قد يغير نظرتنا للكون كله كما فعلت نسبية إينشاتين من قرن ماضي. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق